jeudi, 01 octobre 2020
Trente cinq ans après!
!آه يا عرب
بكلّ بساطة "صهيونية" غير نادرة، وصلت الطائرات الإسرائيلية...إلى أين؟ إلى شمال إفريقيا. نعم، وتحديدا إلى تونس، عاصمة "الاعتدال" العربي.. وصلت إلى عقر دار بورقيبة الذي كان أول من نادى في الستينات للجلوس إلى طاولة الحوار مع حكماء صهيون..لم تكن الغارة بعيدة عن قصر قرطاج الرئاسي، هناك فقط فاصل بحري بنحو 20 كيلومتر بين هذا القصر المطل على خليج تونس وبين "حمّام الشطّ" الذي كان هدف الغارة غير العمياء، المطل من الناحية المقابلة على نفس الخليج.
ستّ طائرات إسرائيلية قيل أنّها فرنسية الصنع أو أمريكية، تمّ تزويدها لوجيستكيا في الجوّ بطائرة أمريكية، لكي تقطع مسافة 2500 كلم وتصل إلى مقر الضيافة التونسية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ست طائرات بعدد أسنان نجمتها السداسية، طارت بكبرياء وثقة وأيضاً بحماية الأسطول السادس هو الآخر، ليس لقصف بيروت أو بغداد لأن ذلك قد تم ودخل أرشيف التاريخ العربي المعاصر، وإنّما لضرب هدف عربي آخر أبعد جغرافيا صحيح ولكنه عسكريا- صهيونيا ليس أبعد من صور أو صيدا..
آه يا عرب
قال سفير إسرائيل في باريس بلسانه الفرنسي الألكن وبلهجة المنتصر أنّ "تونس تحتضن المنظمة الإرهابية" وأنّ بلده قام "بواجبه في ضرب مركز الإرهاب مثلما فعل في الماضي وكما سيفعل في المستقبل"... هكذا هي الحقيقة الإسرائيلية الدّامغة تعلن عن نفسها، أولا بالفعل، وثانيا بالقول.
لكن إذا تتبّعنا منطق السفير الذي هو منطق طيران حكومته، لتساءلنا قائلين: باريس تحتضن مكتبا لمنظمة التحرير وبالتالي "مركزا للإرهاب" فلماذا لا تقصف إسرائيل مقر الإرهاب هذا؟ هل لأنّ إبراهيم الصوص مدير هذا المكتب، رجل أنيق، يجيد العزف على البيانو ويتحدث بفرنسية أكثر طلاقة من فرنسية السفير زميله العدو؟ لا يبدو الأمر كذلك؟ أم لأن قصف مقر المنظمة في باريس قد يؤدي إلى مقتل بعض اليهود القاطنين قرب المقر أو المارين بالقرب منه؟ هناك شيء من هذا القبيل. أم لأن قصف مكتب باريس يعني قصف باريس نفسها، أي قصف جزء من ذاكرة الغرب الذي أنشأ إسرائيل من رمادنا؟ يبدو أن ذلك أكثر إقناعا...
آه يا عرب
على نفس المنوال نتساءل: منظمة الأمم المتحدة تحتضن عضوا مراقبا من منظمة التحرير، فلماذا لا تضرب إسرائيل مقر هذه المنظمة؟ السؤال يبدو سرياليا، لكن المطلع على علاقة إسرائيل بقرارات هذه المنظمة الدولية سيجد أنّ إسرائيل يكفيها أنها لا تتردد في "البول" (و معذرة للتعبير) على قرارات هذه المنظمة التي تحتضن العضو الفلسطيني المراقب.
عندما سؤل السفير التونسي في باريس عن موقفه مما حدث، عاد المسكين إلى أرشيف الدبلوماسية التونسية ليستخرج من غبارها وثيقة مصّفرة تروي دعوة "المجاهد الأكبر" منذ الستينات، إلى إتباع سياسة التفاوض والحوار مع إسرائيل، مؤكدا- أي السفير- بلهجة المنهزم التي باتت لهجتنا المعاصرة، على أنّ تونس لم يسبق لها أبدا أن كانت وراء أي عمل إرهابي ضدّ إسرائيل !!
آه يا عرب
صحيح أنّ تونس لم تشترك رسميا في أية حرب عربية ضدّ الكيان الصهيوني وأنّه في كلّ مرّة ترسل فيها تونس جنودا من أبنائها إلى ساحة المعركة، تنتهي الحرب قبل وصولهم.. لكن ألا يكفي أن تبدي تونس استعدادها لمحاربة إسرائيل كي تكون عدوا في نظر هذه الأخيرة؟..
نسي السفير أن إسرائيل لا ترى العرب مجزّئين، ذلك أن إسرائيل وحدها ترانا موحَّدين أوّلا وضدها ثانياً.. نسي السفير أن زميله اللدود في باريس، قالها في تصريح صحفي بأن إسرائيل تقف وحدها في مواجهة 150 مليون عربي..
تونس التي يريدها البعض فينيقية أوّلا وإفريقية ثانيا ومتوسّطية ثالثا وإسلامية رابعا وفرانكفونية خامسا ولا أدري ماذا سادسا وسابعا... ولكن عربية آخرا.. تونس هذه، تراها إسرائيل عربية أوّلا وفلسطينية ثانيا وأحيانا العكس. وما احتضان تونس لمنظمة التحرير بعد بيروت إلاّ دليل على هذا القدر الدموي الذي يربط العربي بالعربي حتّى القبر..
آه يا عرب
بورقيبة الذي انتظر طويلا تحقيق حلمه السّتيني في الحوار "المتحضّر" مع إسرائيل، عاش أيضاً طويلا حتّى شاهد كيف سقطت البندقية الفلسطينية في بيروت وكيف احترقت أغصان زيتون لبنان، وكيف جاء أبو عمّار إلى تونس باحثا عن غصن زيتون آخر من زياتين المنستير.
أبو عمّار من ناحيته انتظر طويلا تحقيق حلمه السّبعيني في الحوار الشّفوي مع ذوي حوار المدافع، وبقي صامدا في بيروت ليس لكي يموت وإنّما لكي يخرج مرفوع الرأس كالفينيقيين ويركب البحر الذي يمتدّ من شواطئ صور إلى شواطئ قرطاج، عاصمة الفينيقيين التي صارت عاصمة الاعتدال السياسي المتمثّل في الواقع في الاعتزال الرئاسي من أي موقف خارجي صارم خوفا على البيت الوطني من شرَهِ الطّامعين أو سُخط الحاقدين.
آه يا عرب
بورقيبة الذي سبق أن راهن على تحضّر إسرائيل والذي كثيرا ما أكد على أنّ الصراع العربي الإسرائيلي هو صراع حضاري، عاش المسكين طويلا حتّى رأى من شرفة قصره القرطاجي المطل مباشرة من الناحية المقابلة على شاطئ حمّام الشّط كيف جاءت طائرات حكماء صهيون لتمارس حوارها الحضاري وتقضي على آخر حلم تبقّى لدى بورقيبة الحالم والمسالم..
آه يا عرب
بورقيبة الذي استنجد بريغن لحمايته من خطر الطيّران الليبي، فأرسل إليه هذا الأخير بارجة حربية من الأسطول السّادس، لا بد أن خطر له ولو لِحين أنّ الطائرات المُغيرة هي طائرات ليبية.. فماذا يا ترى كان شعوره عندما سمع تبنّي إسرائيل لغارتها الحضاريّة؟ وماذا كان موقفه عندما تأكّد له أنّ هذه الطائرات قد تزودت جوّا بالوقود من طائرة أمريكية من نفس الأسطول الذي جاء يحميه من غارة ليبية؟! وماذا كان شعوره من مباركة هذه الغارة من قبل صديقه ريغن الذي نزل ضيفا عليه قبل أشهر قليلة في واشنطن؟
آه يا عرب
وأبو عمّار ! هذا المقاتل من دون سلاح، والبطل من دون انتصار، والمفاوض من دون أنصار لا من حملة السلاح ولا من معتقلي أنصار.. أما آن له أن يقتنع بأنّه في نظر عدوه، إما قاتل أو مقتول؟
فندق "سلوى" بحمّام الشط الذي احتضن شتات المنظمة الفلسطينية، لم يكن للسلوى، كان للبلوى..
آه يا بورقيبة ! يا من تشبّثتَ بذكرى "جهادك" القديم كتشبّث الأحبار بالعهد القديم، يا من توقّعت خيرا من "البيت الأبيض" وآمنت بنقاوة لونه، ما دامت أنفاسك باقية فإنّ هناك فرصة نتمنّاها ألاّ تضيع، وهي في أن تُنهي عهدك الطويل بوقفة بدوية ! نعم بدوية شجاعة ضد تحضّر تل أبيب وخالتها واشنطن، فترسل مثلا طائرة انتحارية إن لم يكن إلى تل أبيب فإلى إحدى بوارج الأسطول السّادس وهي على أيّة حال لا تزال قريبة من سواحلك.. واقترح عليك أن تدعو أبا عمّار لقيادة هذه الطائرة.. ليس لأنّي ضدّ أبي عمّار الذي أكنّ له منذ زمان محبّة غير معلنة رغم انتكاساته التي قتلتنا، وإنّما لإصرار إسرائيل على قتله أينما ذهب وأينما احتمى، فإنّي لا أجد لخلاصه حلاّ غير تخلّصه نهائيّا من خصاله السياسية وتحلّيه بخصال المسيح المخلّص.
آه يا عرب
فندق "سلوى" لم يكن للسلوى.. كان للبلوى..
محمد الرفرافي/ أكتوبر 1985
22:11 Publié dans En arabe | Lien permanent | Commentaires (0) | Facebook | |