samedi, 26 février 2011
La révolution permanente
Le titre de cette note évoquerait chez certains le mot d'ordre marxiste, développé ultérieurement en thèse trotskiste pour désigner le processus par lequel la révolution ne s'arrête pas tant qu'elle n'a pas atteint tous ses objectifs. A l’époque, il était question de la lutte des classes sociales où la révolution était celle de la classe prolétarienne contre la bourgeoisie.
Mais aujourd’hui ?
Nous voilà devant une révolution non pas d’une classe contre une autre, sous le commandement d’un parti révolutionnaire, mais plutôt d’une alliance spontanée de plusieurs couches sociales, animées par les jeunes et l’Internet, contre une oligarchie aussi bien corrompue que tortionnaire. C’est bien le cas des révolutions actuelles des peuples du monde arabe qui se ressemblent et se succèdent par un effet domino. De la Révolution d’Al-Karama (de la dignité) en Tunisie à la Révolution de la Colère en Égypte, à la Révolution Populaire en Libye et à d’autres, quoique embryonnaires, au Yémen, à Bahreïn, en Algérie et en Jordanie… le reste est sur la liste d’attente.
Révolutions ? Oui, absolument, puisqu’il s’agit de mouvements populaires pour une transformation profonde de l'ordre politique, moral, économique, dans un temps relativement court.
Permanentes ? Elles en ont bien l’air : Les deux révolutions tunisienne et égyptienne, ont déjà marqué une première étape, celle d’évincer leurs tyrans. Il reste à changer foncièrement leurs systèmes politiques. D’où, d’ailleurs, les grandes manifestations devenues régulières et de plus en plus tenaces. Quant à la révolution libyenne, sinistrement plus sanglante, elle est sur le point de franchir sa première étape. C’est une question de quelques jours, pas plus. Dans les autres pays arabes, elles commencent ; sinon elles s’apprêtent à démarrer.
Bref, vu qu’il s’agit en fait d’un espace géopolitique culturellement homogène, (confirmé entre autres par cet effet domino) avec des revendications et des slogans quasiment identiques et une alternance interactive, on pourrait dire qu’il s’agit bien d’une révolution permanente arabe, qui finira par instaurer un nouveau monde arabe, où liberté et citoyenneté seront les deux piliers d’une vraie démocratie. Pourvu seulement que les puissances occidentales fidèles, ou supposées telles, aux valeurs démocratiques, changent leurs politiques de connivence opportuniste avec des régimes arabes sclérosés et n’entravent pas cette belle saga vers un avenir humain plus sain et plus juste.
Vive la liberté... Vive les peuples...
RAFRAFI
13:40 Publié dans actu | Lien permanent | Commentaires (1) | Facebook | |
mercredi, 23 février 2011
Soucis de terroir natal (7)
2011-02-21
نشر في صحيفة القدس العربي اللندنية |
لم يكون غريبا بالنسبة لي أن تُحظى شخصية وزير داخلية على يديك بمثل هذه الشعبية الاستثنائية في بلد عانى على مدى عقود من سطوة هذه الوزارة. هذه الشعبية التي عكسها على نحو خاص تشكيل "مجموعات" (غروبات، كما يقول شباب تونس) عديدة على شبكة الفايسبوك تدعو إلى مساندتك، وتحمل أسماء مثل "كلنا مع فرحات الراجحي كي ينظف الداخلية"، "شكراً سي فرحات الراجحي"، "فرحات الراجحي-أمان-شفافية–ديمقراطية"، "مع رشيد عمار و فرحات الراجحي للحفاظ على الثورة"، "فرحات الراجحي رئيسا للجمهورية".. قد جاءت بعد أن سبقك وزير داخلية نال من السخط الشعبي ما نال، ولكن جاءت أيضا وبشكل أخص بعد أن كشفْتَ أنت بنفسك، تلفزيونيا، على الملأ، عن المحاولة الغريبة بالاعتداء عليك، غداة تعيينك، داخل وزارتك على يد مئات من ضباط وأعوان الأمن المُورّطين عُضويا في شبكة المافيا الرئاسية، وكيف هربتَ، كأيِّ مواطن يهرب في مظاهرة من البطش الأمني، من مكتبك الوزاري بحماية استثنائية من "فرقة مقاومة الإرهاب" (وهي لأول مرة تكون جديرة بهذا التسمية). إلى حد أن قال أحدهم "كُنّا سابقا نخاف من وزير الداخلية واليوم صرنا نخاف عليه". وما زاد في تكريس هذه الشعبية، خصوصا لدى البسطاء من عامة الشعب، إشارتك ضاحكاً إلى عملية سطو هؤلاء أثناء هروبك على معطفك ونظّارتك وهاتفك الجوال، فاضحا بذلك مدى التعاسة التي لحقت بجهاز دولة وقد تحول إلى وكر عصابات. من ناحيتي، وعلى عكس جُلِّ من لا يعرفك جيدا بمن فيهم من يُشكّك في تلِقائيتك، أقول أن الشيء من مأتاه لا يستغرب. ذلك أن الصورة التي بقيت أحملها عنك منذ زمالتنا الدراسية على مقاعد "معهد ابن شرف" في أواخر الستينات، هي صورة ذاك الفتى النحيف والوَدود والضاحك دوما. وشقاوتنا البريئة في ذلك السن، لم تمنع من أن ألمس لديك في ما بعد وقبيل تخرجك من كلية الحقوق، نضجا سياسيا كافيا بإبرازك، أثناء حوار عابر بيننا، لمحاسن النظام البرلماني حتى ولو كان ملكيا دستوريا، كنتُ في تلك الفترة، كمثقف وإعلامي مستقل، أتهيأ لمغادرة تونس نحو منفى عربي ثم أوروبي، هرباً من سطوة الخطاب البورقيبي على المشهد الثقافي والإعلامي. ولم أستكمل فكرتي السابقة عنك إلا قبل ما يزيد عن عشر سنوات خَلَت، حين التقينا صدفة ذات صباح صيفي، فعرفت أنك وعلى غرار أغلبية خريجي معهد ابن شرف، قد اخترت سلك القضاء لحياتك المهنية. إلى هنا، لا شيء يبرر ذكر ما سبق ذكره، سوى أنّ نبأ تعيينك وزيرا لأكثر الوزارات إشكالية في ظرف هو الأخطر في تاريخ تونس الحديث، قد جاء سؤالا بالأحرف الكبيرة على الأقل في ذهن شخصٍ مثلي اعتاد مِهنياً كصحافي على طرح الأسئلة وليس الأجوبة. ما الذي دفع محمد الغنوشي أو بالأحرى ما الذي جعلك تقبل أن تكون الرجل المناسب في المكان غير المناسب؟ قبل نحو ستة عقود جَلَب جوزيف ستالين إلى موسكو المهندس لاَفْرِينْتِي بافلوفيتش بِـيـرْيـاَ واختاره بحكم نقائه الأيديولوجي لقيادة الأمن السوفيتي وجهاز البوليس السري بهدف تطهير الحزب الشيوعي والمؤسسات الحكومية من الخصوم. وكوفئ بعد ذلك في عهد خروتشيف بالإعدام رميا بالرصاص. فهل بسبب نقائك الأخلاقي كقاض، اختارك الغنوشي لتطهير جهاز الأمن التونسي؟ علما أنه إذا كان للغنوشي "ستالينية" فهي تكمن في ولائه المستمر والمستتر (وأحيانا العلني) لـ"ستالينية" أمن نظام بن علي؟ قد يعتبرك البعض مثل الصابون، النظيف والمُنَظِّف في آن واحد، ومُهمتك هي، وبحكم خبرتك القضائية، تنظيف جهاز الأمن من عصابات بن علي والطرابلسية، لا غير. وهكذا تكون مَنَحْت عُذْريةً لحكومة نزلت من رحِمِ دولة بن علي الدامية والدائمة عبر حكومة التفاف لاوطني. لكن ماذا عن تنظيف الحكومة من نفسها؟ ومن بعض أعضائها الذين قيل عنهم ماسونيين أو من أتباع المحفل المتوسطي الصهيو-ساركوزي؟ وأيضا من المنضمين إليها من قادة أحزاب الولاء الطفيلية المحسوبة على يسار هو أقرب إلى العسر منه إلى اليسر؟ ذكرت بنفسك أنك تقتسم في وزارتك المكتب مع رئيس أركان الجيش التونسي رشيد عمار، الذي سبقك في امتلاك قلوب ثوار تونس ومريديهم (حتى أن بعض المصريين المتظاهرين الأسبوع الماضي في وسط ميدان التحرير بالقاهرة تساءلوا: "أين هو رشيد عمار" ؟ أي النسخة المصرية منه)، وذلك بهدف إحكام السيطرة على الوضع الأمني الداخلي، فهل لك أن تسأله لماذا لم يكمل مسيرة الثورة التي باركها وتحاشى مواجهتها؟ لماذا لم يعمد مباشرة إلى إقالة حكومة الغنوشي وتكليف حكومة كفاءات وحل البرلمان ومجلس المستشارين وتعطيل العمل بالدستور (الذي أصبح على مقاس بن علي)، تماما مثلما فعل زميله المصري في ما بعد؟ لن يكون عمار بـحاجة إلى رجل قانون غيرك أنت لمساعدته على تنفيذ هذه المهمة التي صار يطالبه بها ليس الشارع الثائر فقط وإنما أيضا مختلف أحزاب المعارضة الحقيقية ومنظمات المجتمع المدني. فهل لك بإقناعه بهذا الخيار الأقرب لتطلعات الثورة التي تعهد سابقا بحمايتها؟ صحيح أنك كوزير فأنت مطالب بأن تتحرك بضوء أخضر من رئيس الحكومة. غير أن نقاوتك الأخلاقية وثقافتك القانونية ووفائك لوطنك، تحتم عليك الابتعاد ما أمكن عن مشروع حكومة الغنوشي الذي ليس في صميمه سوى مشروع لإعادة إنتاج نفس النظام، ناقص بن علي والطرابلسية فقط، على أن يكون مُلَبِّياً لكافة تعهداته الغربية السابقة، تماما مثلما ترْجَمَتها تحركات أحمد ونيس وزير الخارجية المستقيل رغماً عنه، أو تصريحات نجيب الشابي وزير التنمية الداخلية، المُهدد هو الآخر بتفاقم الغضب الشعبي عليه. ألم يأتيك حديث الشارع بشعار من نوع "العصابة هي هي والحكومة مسرحية"؟ أنت الذي انتقلت عبر مختلف محاكم الاستئناف التي ترأستها وتخصصت في القانون الجزائي، لا أراك بعيدا تماما عن نبض الشارع. وربما مبادرتك في تخصيص صفحة فايسبوك لوزارة الداخلية هي بمثابة السعى لجس هذا النبض بشكل مباشر ودائم وموثق. ما المانع من أن تستفيد، لكي تُفيد تونس وثورتها، من التعامل مع من له نفس تكوينك القانوني وتجربتك كوزير في الداخلية، وأقصد المعارض التاريخي أحمد المستيري؟ وهو الذي بدأ في معارضة بورقيبة في نفس السنة التي التحقت أنت بها بكلية الحقوق. إن إجماع كثير من الأوساط المعارضة والمستقلة حول هذا الرجل في قدرته على تأمين مرحلة انتقالية سليمة تضمن عبر ترؤسه المأمول لحكومة كفاءات، مسارَ الثورة وأهدافَها، إن كُنتَ مستعدّا لتبنِّيه فإنّ هذا الإجماع من شأنه أن يجعلك في موقع أكثر تماسكا وصلابة في تعاملك مع رئيس الأركان الذي وحده الكفيل بتأمين أي تحرك راديكالي ضد مؤسسات النظام الموروث بما في ذلك الخلايا النائمة من عصابة حزب التجمع الحاكم في الخفاء، الذي علقت أنت نشاطه كمرحلة أولى نحو حله قضائيا. وهنا لابد أن أنوه بهذا الإجراء المرتقب لسبب أن حزب التجمع الدستوري هذا لم يفقد صلاحيته حاضرا وإنما في الواقع فقدها منذ الاستقلال، أي بعد أن أنجز مهامه وحقق أهدافه في التحرير الوطني وفي وضع دستور، انتهى كحزب تحريري وتحول مع بورقيبة إلى جهاز دعائي وتعبوي مع تغيير اسمه تماشيا مع تجارب سياسية متلاحقة وفاشلة مثل الاشتراكية في الستينات ثم الكومبرادورية في السبعينات التي تحول أيضا خلالها إلى أداة قمع للعروبيين وللشيوعيين عبر ميليشيات ضاربة.ثم مع بن علي صار في العقد الأخير "تجمعا" مافيوزيا ومن ثم إجراميا تلوثت أيادي أصحابه وما زالت، بدماء أبناء الشعب التونسي المسالم. قبل أن أختم، اسمح لي صديقي الوزير، أن أنقل إليك رجائي ككاتب وكإعلامي مستقل أن تسعى من موقع مسؤوليتك الوزارية ألا تمس حرية واستقلالية أي مسعى تنظيمي يمثل كُتّاب تونس وإعلامييها وأن تلغي جهاز أمن الدولة والبوليس السياسي، لتعارضهما الكامل مع أهداف الثورة الوليدة. وإن كان لابد من جهاز أمن دولة فليقتصر على تتبع الجواسيس من الأجانب وليس أصحاب الرأي من أبناء تونس المفترض خلو أقبية الداخلية وسجون البلاد منهم. ثم أرجو تفسيرا من وزارتك حول هذا الأمر المريب والمنشور في صحف تونس كما يلي: "ليست صدفة أن "الحارقين" إلى إيطاليا تم نقلهم كلهم (حسب تأكيدات السلطات الإيطالية) بقوارب ليبية وأن 5000 منهم طلبوا اللجوء السياسي وليست صدفة أن تكون هذه العمليات متزامنة مع وجود ليلى بن علي في ليبيا". هل هي محاولة "طرابلسية"-ليبية لإفراغ تونس من شبابها؟ أم مناورة لإشغال الحكومة الحالية بملفات جانبية ذات أبعاد أجنبية؟ ومن ناحية أخرى، لا أميل شخصيا نحو منع أي جهة إعلامية مهما كانت. ورغم قبولي عن مضض بوجود قناة تلفزيونية تبدو لي مشبوهة رغم شعارها الجذاب بكونها مغاربية، في حين أن ربع ميزانيتها تعود لرئيس حكومة إيطاليا سيء السمعة، برلسكوني وأقصد بذلك قناة "نِسْمة"، فإن كل ما أطلبه منك هو ألا تسايرها في سياستها اللغوية الهجينة (فرانكو آراب) حين تتم دعوتك لإحدى برامجها الحوارية. وقد سبق أن تابعتُ عبرها لقاءها معك، فوجدتك تستعمل فيه بعض العبارات وأحيانا الجمل باللغة الفرنسية دون أن تكون في حاجة إلى ذلك. باعتبارك وزيرا يتمتع بشعبية استثنائية، واحتراما للدستور القائم (ببنده الأول: تونس دولة.. الإسلام دينها والعربية لغتها) فإنه من الأنسب لوزير مثلك إعطاء المثل لضيوف هذه القناة ولمنشطيها وتمكين عامة الشعب من فهم ما تقوله، وأُذكّرك أن تعليمنا الثانوي الذي كُنّا تلقيناه أنا وأنت كان مُعَرّبا بالكامل، كتجربة تربوية استثنائية اختص بها في الستينات معهدنا وحده. أخيرا، وبعد كل الذي سبق، يبقى التساؤل عالقا: إذا كنت يا صديقي الوزير مقتنعا بأن الثورة قد أنجزت مهامها وحققت جميع أهدافها وأن حكومة الغنوشي التي بحوزتك حقيبة داخليتها، هي حكومية وطنية لا غبار عليها ولا على ملفاتها السرية والعلنية، وأن المؤسسات المالية والبنكية والمؤسسات الإعلامية وكذلك دوائر وزارتك المركزية والمحلية، جميعها خالية من ذوي السوابق "الطرابلسية"، فإني أدعوك إلى تجاهل كل ما سبق ذكره في هذا الخطاب، مُتمنّيا لك بصدق سلامتك الشخصية من توابع انفجار شعبي أراه يلوح في الأفق عبر ما أرصده من أنباء وتصريحات ومواقف متعددة الجهات وسيكون في هذه المرة أكثر ثباتا وتنظيما نظرا لتمتعه بتجاوب ورعاية من مختلف أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني... أما إذا كنت ترى غير ذلك، فإني أدعوك أيضا بصدق الصديق، أن تحسم أمرك، وأن تُنقذ ما نِلْته من رصيد شعبي لتوظيفه في سيرورة مخالفة، لا تكون فيها مجرد أداة تنظيف أو قطعة غيار جديدة في ماكينة صدئة متآكلة، وإنما عنصرا فاعلا ضمن قيادة وطنية نظيفة وحقيقية نحو تغيير جذري يضع حصان الثورة الجامح أمام عربتها ويدخل تونس بشعبها وشهدائها عالم الحرية والديمقراطية، جاعلا منها النموذج الأول والناجح الذي صدرت نسخته المصرية الفاخرة فوق أرض الكنانة ومنها إلى الساحات العربية المتطلعة إلى نفس المصير المضيء. |
02:28 Publié dans actu, En arabe | Lien permanent | Commentaires (1) | Facebook | |
lundi, 14 février 2011
SAUVEZ CARTHAGE
01:51 Publié dans actu | Lien permanent | Commentaires (1) | Facebook | |
vendredi, 11 février 2011
Domino Tuniso-Egyptien
La flamme révolutionnaire populaire, lancée depuis la Tunisie est arrivée en Egypte.
Après le peuple tunisien, voici son frère, le peuple égyptien, qui, de son côté, vient d’ajouter aujourd’hui, une nouvelle page au livre d’or des révolutions.
D’autres peuples arabes se préparent à suivre ce chemin glorieux qui mène à la vraie démocratie.
Ces peuples, longtemps soumis à des dictatures maquillées par de fausses-démocraties, commencent à se rendre compte comment leurs despotes, appuyés par leurs alliés occidentaux, se servaient, jadis, de l’épouvantail communiste et naguère de l’épouvantail islamiste, pour mater toute opposition quelle qu’elle soit.
Ces peuples, avec, comme fer de lance, leurs jeunesses câblées, découvrent la force de leur détermination qui, une fois exprimée à fond, elle ne peut que provoquer un tsunami libérateur et purificateur.
Hier Ben Ali, aujourd’hui Moubarak…
Bravo les Tunisiens… bravo les Égyptiens.
Rafrafi
21:53 Publié dans actu, Politis | Lien permanent | Commentaires (0) | Facebook | |
vendredi, 04 février 2011
Soucis de terroir natal (6)
2011-01-21
نشر في صحيفة القدس العربي اللندنية |
نار 'البوعزيزي' لم تكن بردا وسلاما على نَمْرُود قرطاج، فكان الذي كان. والبوعزيزي، بإحراق جسده، لم يكن يقصد إعادة إنتاج رمزية النار التي منذ اكتشاف الإنسان الأول لها لم تنفك عن أن تكون بداية الطاقة ومُنْتهاها... ولأن للنار بريقها الأوحد، سَكَنَتْ على الدوام رؤى البشر ومشاعرهم... قديما، عَبَدها البعض، وسخّرها البعض الآخر لطقوس التقرب من كائنٍ أعلى، إلى أن جاء بْرُومِثْيوس لكي يسرقها ويمنحها إلى مخلوقات الأرض مما أدى إلى غضب زْيوس عليه... صحيح أنها مع عقائد التوحيد صارت النار مقترنة بالوعيد، (...ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا، سورة الجن 23) لكنها تبقى وفق هذه الآية، العنصر الخالد والمطهر المطلق لكافة الآثام... والبوعزيزي، الذي قالت أمُّه عنه أنه لم يكمل دراسته الثانوية لكي يُعيل عائلته، أدرك بالفطرة قدرة النار على التطهير وأيضا على التعبير.
التطهير؟ نعم لأن من ثقافته الذكورية الموروثة، ذلك المثل الشعبي الرائج: 'النار ولا العار' والعار لَحِقَه كذَكَرٍ عربي من صفعات يدِ أنثى (شُرْطية البلدية) تلقّاها على وجهه أمام جمع من الناس. إذن فهو عارُ اغتصاب معكوس لِشرف الرجولة ولا بد من تطهيره.
التعبير؟ نعم أدرك أن احتراقه، بقدر قسوته بقدر بلاغته في التعبير، هي آخر رسالة حاسمة منه تجاه الجميع بعد أن خصّ والدته مُوَدِّعا برسالة أخرى على صفحات الفايس بوك باللهجة العامية، يبكي فيها حظَّه التعيس من هذا 'الزمان الغدّار في بلاد الناس'... رسالته الحارقة هذه والرافضة للذل والمهانة أكثر من رفضها للفقر والبطالة، وهي التي تلقاها نمرود قرطاج بالقول 'فَلْيَمُتْ'، وفق ما ذكره في ما بعد أحد المقربين منه، هذه الرسالة انتقلت في الشارع التونسي مثل شحنة كهربائية صاعقة أتَتْ على اليابس من النظام القائم الحاكم ولم تأت على الأخضر من أحلام شعبه. هذا الشعب الذي كان لسنوات طويلة يتوق إلى الانعتاق من سلطة غريبة الأطوار إذ تجمع بين اللصوصية والقبضة الأمنية، بين الانفتاح الكومبرادوري على الخارج والانغلاق السياسي على نفسها، اختزن طاقةَ غليانٍ لم تكن تتسرب منها سِوى دلائل واستعارات لغوية لعلّ أبلغها وصف الشبان العابرين سِرّا إلى الشمال عن طريق البحر بكلمة 'الحارقون' وهي نفس الاستعارة في توصيف من يخرق شارة المرور الحمراء بعبارة 'حرق الضوء' الأحمر... وبالفعل فتحويل الحرف الأول من خرق إلى حاء، فتصبح حرق، يجعل وعلى نحو معكوس احتراق البوعزيزي اختراقا للسائد بفعل غير مألوف.. وكان الذي كان..
ومن 'حظ' البوعزيزي أنه ترك وراءه عائلة تمكنت من أن ترى بدلا عنه ما لم ولن يراه بعد غيابه، ليس فقط وصول لهيب جسده إلى قرطاج، التي سبق أن أحرقها الرومان قديما، بل وأيضا إلى مفاصل النخب السياسية والثقافية الجامدة والمُجمَّدة بفعل سنوات الخوف والتخويف... هذه العائلة التي تتقدمها الأم الثكلى التي رددت مع ابنتيها في جنازة ابنها 'يا ناري على وليدي' 'يا ناري على خويا'، رأت أيضا كيف انتقل لهيب نار البوعزيزي، وكأنه شعلة أولمبية، من بلد عربي إلى آخر، لتلتهم عشرة أجساد عربية أخرى حاول أصحابها إعادة إنتاج معجزة النار، أملا منهم في استنساخها عربيا.
البوعزيزي لم يكن السباق في تاريخ الإنسانية، والانتحار بالنار احتجاجا ضد أمرٍ ما، هو ظاهرة يعرفها التاريخ القديم والحديث. وكان آخرها على مدى قرن مضى، انتحار الموسيقي الأميركي ملاتشي ريتشر سنة 2006 في شيكاغو احتجاجا على غزو العراق. وقبله كان انتحار الراهب الفيتنامي ثيك كانغ دوك سنة 1963 عن عمر تجاوز السبعين سنة، احتجاجا على قمع البوذيين. مرورا في ما بعد بانتحار الأستاذ البولولني ريزارد سيوياك (1968) و التشيكي، الطالب في الفلسفة، جان بالاش (1969) والليتواني روماس كالانتا (1972) وثلاثتهما انتحروا احتجاجا على الهيمنة السوفياتية. ثم ذاك الرجل الياباني تَكَاوِي هِيمُورِي (عمره 54 عاماً) الذي قرَّرَ سنة 2002 أن يموت من أجلنا نحن العرب، احتجاجا على جرائم إسرائيل وعلى حصار الرئيس عرفات، وذلك بإحراق نفسه في حديقة عامة في طوكيو.
غير أن كلَّ حالات الانتحار حرْقا هذه، وأخرى غيرها، لم تكن تُسفر عن ثورة كالتي حدثت في تونس وكان احتراق البوعزيزي فتيلَ لهيبها.
وقد اعتادت تونس، كبلد متواضع الموارد الطبيعية، الاعتماد على استيراد الكثير من المواد المادية والتكنولوجية، وأيضا على استيراد السياح والموضات وحتى الأفكار وبعض الأيديولوجيات، إلا أنها توصلت هذه المرة إلى إنتاج ثورة شعبية بصنع محلي صرف (Made in Tunisia). ثورة تزاحم الجميع على اختيار اسم لها. والتسمية فيها شيء من التّملُك والترويض.
ومن هنا جاءت تسميتها من طرف الفرنسيين بثورة الياسمين. صحيح أن نزوع الغرب الحديث إلى إضفاء نوع من الشاعرية على أحداث جسيمة كالثورات، ليس جديدا. فهو قد سمى الثورة البرتغالية في السبعينات بثورة القرنفل، ومثيلتها في أوكرانيا بالثورة البرتقالية، واتخذ من الورد شعارا لصعود اليسار في فرنسا، وها هي فرنسا تطلق اسم ثورة الياسمين على تونس ويتلقفها بعض التوانسة الفرانكفونيين بلا تردد. صحيح أن الياسمين زهر رائج في ربوع تونس وخصوصا في مدن سواحلها. وهو تقريبا الزهر الوحيد الذي كان ولا زال رجال تونس، ومنهم والدي، يهدونه إلى زوجاتهم. وكم نمت صغيرا على رائحة الياسمين، التي بقيت إلى اليوم هي رائحة طفولتي الأزكى... لكن وفي رأي أكثر التوانسة فإن نعومة هذه الزهرة وموسميتها الصيفية، وذبولها صباحا بعد يُنوعٍ قصير وارتباطها بالسّياحة والسُّياح، كل ذلك يتعارض مع ثورة تونس الحارقة والخارقة والجارفة... كان ممكنا استعارة الزيتون الذي يعد بالملايين في تونس، ومنه يستخلص زيت القناديل.. أو النخيل، وهو أيضا بالملايين، على اعتبار أن النخلة شجرة سامقة، مثل قامة الثائر والشهيد.. غير أن للقيروانيين رأيا آخر أكثر إفحاما: إنها ثورة الصَّبار. وهي نبتة معروفة بصبرها على العطش مع احتفاظها بنضارة خضراء دائمة وبشوكٍ لا يرحم قاطِفَها... وهي سمات تستقيها من مخزونها الشّمسي المُرَكّز. وها أنا أعود من جديد إلى عنصر النار التي منها بدأ كل شيء.
محمد الرفرافي
شاعر وإعلامي تونسي
00:15 Publié dans actu, En arabe | Lien permanent | Commentaires (0) | Facebook | |