mardi, 09 août 2016
Mahmoud Darwich
À la mémoire de #Mahmoud_Darwich, mort le 9/8/2008, je vous propose ma traduction de son fameux poème AHMAD AL ZAATAR.
À lire ICI
RAFRAFI
22:56 Publié dans Art, Histoire | Lien permanent | Commentaires (0) | Facebook | |
samedi, 25 juin 2016
Une Europe d'hier..
أعادني السؤال الأوروبي المُثار بعد استفتاء الخروج البريطاني من أوروبا مؤخرا، إلى استحضار رؤية لكيانٍ أوروبي مغايرة لِما هو سائد، كان قد طرحها تيّارٌ يمثّله مثقّفون أوروبيون شباب، نُعتوا آنذاك بالقوميين الثوريين وأسموْا أنفسهم القوميون التحرّريون، وكنت التقيت بخمسة منهم قبل ثلاثة عقود في مدينة مونص البلجيكية وهم: الألمانيَان زيغفريد بوبليس وكارل أوفكس، والفرنسيَان غيوم فاي وفيليب دونزال، والبلجيكي روبير ستوكار.
وجدتُ أن رؤية هؤلاء لأوروبا (وكانت ألمانيا لا تزال آنذاك مقسمة) ليست معارضة لما فرضته معاهدة وسيتفاليا فقط، بل أيضا معارضة لما فرضته الحرب الباردة لاحقا، هذا عدا تصوّرهم للكيان العربي، وهو تصوّر خالٍ من عقلية المركزية الأوروبية؛ وبالتالي الاطلاع على ما فكّر فيه هذا التيار الذي لم يتحوّل في ما بعد إلى قوة سياسية فاعلة ولكنه أثّر ربّما على تيارات أوروبية أخرى، قد يساعدنا اليوم على فهم موقف الأوروبيين من أوروبا ومن جيرانها، وأولهم العرب، وخاصة على ضوء الخروج البريطاني وردود الفعل التي أثارها. لهذا ارتأيت أن أنقل إليكم هنا (تسهيلا لقراءته) حِواري مع الألمانييْن المنشور في مجلة الموقف العربي الصادرة في قبرص والذي أجريته مع كليهما في وقت واحد وكان ذلك بحضور البلجيكي الذي ساعدني مشكورا على نقل كلامهما إلى الفرنسية:
-----------
النموذجان الأمريكي والسوفياتي لا يصلحان لأوروبا والعرب
التحول العميق في سياق التاريخ، عادة ما يسبقه فكر يمهد له المسار. هكذا كان الحال مثلا بالنسبة للثورات البرجوازية الأوروبية التي سبقتها أفكار ونظريات كانت لها بمثابة الدليل والمنطلق. واليوم وبعد أن استهلكت أوروبا نظرياتها البرجوازية الكلاسيكية، لتدخل، بدءا من القرن التاسع عشر، عصر الإيديولوجيات "العلمية" والميتافيزيقية، ثم لتعيش بعد ذلك حروبها القومية الشوفينية فوق أراضيها، وحروبها الاستعمارية في أراضي ما وراء البحار، وبعد أن بدأت تدب في أوصالها الشيخوخة في ظل تنامي العملاقين، إلى حد أن "ترملت" فكريا وانكمشت حضاريا وانشطرت جغراسياسيا... بدأت "القارة العجوز" - كما صارت تسمى- تبحث عن الترياق الذي قد يعيد لها شبابها وحيويتها "النهضوية".
ليست "عودة الوعي" اليميني المتطرف التي برزت في السنين الأخيرة هي التعبير الحقيقي عن هذه "النوستالجيا" الأوروبية. ذلك لأن قادة هذا اليمين، ليسوا في الواقع سوى عناصر من "سقط متاع" الحروب الكولونيالية، الذين يريدون اليوم أن يجعلوا من المهاجرين العرب "كبش فداء" لهزائمهم في ما وراء البحار. ثم إن هذا اليمين "المتفشست" ليس أوروبيا بقدر ما هو "أطلسيا" فكرا وسياسة وإستراتيجية، وبالتالي فهو لا يمثل العمق الإنساني لأوروبا النهضة.
والنوستالجيا الأوروبية التي نتحدث عنها والتي تسعى إلى بعث أوروبا من أنقاض دمارها الروحي، والتي ترى في العرب حلفاء تاريخيين وحضاريين وليسوا أعداء مخيفين وحوشا... هذه النوستالجيا هي الرصيد الذي يحمله اليوم بعض شباب أوروبا الذين تشربوا أولا التراث العريق لحضارات شعوب المتوسط، بدءا من اليونان ثم الرومان فالعرب.. هذه الينابيع المعرفية جعلتهم يرون مستقبل العالم بعين مختلفة ويرون خلاص أوروبا في تخلصها من "بلقنتها" الإثنية و"قبرصتها" اليالطوية، وفي تحالفها مع العرب ضحايا "سايكس بيكو" و"بلفور" وغير ذلك من صفقات الغرب السرية.
"زيغفريد بوبليس" و" كارل أوفكس"، شابان من ألمانيا الغربية، الأول محامي وباعث مجلة "فيرسالبسيت" ومؤسس دار نشر، والثاني زميله في نفس المجلة، وأستاذ فلسفة وعلوم سياسية ومؤلف كتب تعليمية في هذين المجالين وأيضاً في مجال الأدب اليوناني واللاتيني.. هذان الشابان يمثلان تيارا قوميا جديدا في ألمانيا، يلتقي في خطوطه العريضة مع تيار مشابه له في فرنسا يمثله غيوم فاي وفيليب دونزال وآخر في بلجيكا ويمثله روبرت ستوكار.. وكلها تيارات تلتقي حول هدف واحد وهو خلاص أوروبا ووحدتها وتحالفها مع وحدة العرب.
"الموقف العربي" التقت بوبليس وأوفكس في بلحيكا حيث شاركا في مؤتمر "مونص" حول وضع المثقفين والعمال العرب المهاجرين في أوروبا، وقد أجرت حوارا واحدا مع الاثنين لكونهما يحملان نفس الرؤيا وينتميان إلى نفس التيار.
قومية لا شوفينية
*الموقف العربي: خلال تعارفنا في أول الأمر قلتما لي بأنكما من القوميين الألمان وعندما نقول قومية ألمانية فإنه سرعان ما يقفز إلى الذهن تلك القومية التي صنعت حربا عالمية ثانية..
-"بوبليس" و"أوفكس": هناك موروث في القومية الألمانية لسنا من أنصاره، وهو الشوفينة. هذا الموروث يعود إلى حقيقة تاريخية وهي أن الأمة الألمانية كأمة موحدة لم تتحقق إلا متأخرة، أي بعد أن تحققت وحدة شعوب أوروبية أخرى مثل فرنسا وبريطانيا. وبسبب هذا التأخر في الوعي بالقومية الألمانية وفي خلق أمة ألمانية موحدة، شاهدنا ظهور نزعة متجذرة ومتشنجة للقومية الألمانية، أخذت شكلا شوفينيا. والشيء الذي نسعى اليوم إلى تأكيده هو أن القومية الني نؤمن بها نحن هي تلك التي لها بعد تحرري وانعتاقي. نريد أن نبرهن على أن القومية هي إيديولوجية من شأنها أن تتيح لنا ضمنيا فرصة النضال ضد هيمنة القوى العظمى. إنها إيديولوجية طبيعية للشعوب المقهورة والمهيمن عليها. هذه القومية التي نحن من أنصارها هي تلك التي تمد يدها إلى الشعوب الأخرى والتي لا تريد أن نقف حجر عثرة أمام إرادة هذه الشعوب. إنها قومية تضامن وتحرر، ونحن نعتبرها مبدءا صالحا لكل الشعوب في الأرض.. إذن فهدفنا هو أن نؤكد على اختلافنا مع أنصار "القومية" التي تسعى إلى تقديم الألمان كشعب متفوق على شعوب الأرض.
*الموقف العربي: هذه القومية التحررية هل تخص ما يسمى سابقا "بروسيا" أي ألمانيا ومعها النمسا، أم فقط ألمانيا بدولتيها الغربية والشرقية؟
-"بوبليس" و"أوفكس": نحن ننطلق وحسب التفريق الإبستمولوجي، من مبدأ القومية بمعناها الألماني الذي يختلف جوهريا عن معناه الفرنسي واللاتيني عموما. القومية الألمانية التي ندافع عنها تنطلق من الصفة الإثنية لمفهوم كلمة شعب. وهذا يؤدي عمليا إلى كوننا نعتبر الشعب الألماني كمجموعة إثنية هو أساس قوميتنا، وبالتالي فهو يشمل سكان النمسا ومنطقة جنوب "تيرول" التي تضمها ايطاليا حاليا. إذن فقوميتنا تتضمن نقدا للوضع القائم حاليا، أي إننا لا نعترف بالحدود القائمة اليوم، ونأمل في تعديل تقسيم أوروبا على قاعدة الحدود الحقيقية أي الحدود الإثنية.
لا يمكننا أن ننطلق من المبدأ الذي يقول بأن الحائط، أو الستار الحديدي، الذي يقسم حاليا الأمة الألمانية إلى قسمين هو حدود طبيعية. نحن لا يمكن أن نعترف بهذا الوضع، وبالتالي فإننا لا نقبل بالوضع القائم منذ يالطا. ذلك أن تجاوز الوضع اليالطوي ليس له دلالة بالنسبة للشعب الألماني فقط وإنما أيضاً بالنسبة للعالم كله. هذا التجاوز هو عامل سلام، لأنه تجاوز للمواجهة بين المعسكرين. أن نتجاوز يالطا يعني أن نحقق السلام في نظرنا. والناس خارج ألمانيا، سواء في أوروبا أو في غيرها، لا ينتبهون إلى أن ألمانيا بعد 40 سنة من الحرب الثانية لا تزال تحتلها قوات أجنبية من الشرق والغرب. لا أحد يعرف مثلا أنه في مدينة برلين كعاصمة سابقة للدولة الألمانية، لا تزال سلطة القرار في يد قيادة الحلفاء.
إن وضع الاحتلال الذي تعيشه ألمانيا، هو قضية هامة بالنسبة للعالم كله، ذلك لأن ألمانيا اليوم، تحتوي على أكبر كمية من الأسلحة النووية والتقليدية في العالم. وبالتالي فإن ألمانيا هي عرضة اليوم لأن تكون ساحة مواجهة عالمية وبالتالي عرضة للزوال من الخريطة الأوروبية، وبديهي أن هذا الوضع قد يتسبب وحده في اندلاع حرب..
تنظيم الوعي الشعبي
*الموقف العربي: هل هناك احتمال لأن يتحول تياركم إلى تنظيم سياسي؟
-"بوبليس" و"أوفكس": يتمثل عملنا السياسي أولا في تنظيم الوعي الشعبي وإعطائه هيكلا. وأيضاً في توعية الشعب بالوضع الذي تعيشه ألمانيا، والمتمثل أساسا في "التقطيع"، أي تقسيم البلد إلى دويلات. إن العمل من أجل تنظيم سياسي ليس ممكنا إلا بعد أن يتجاوز الشعب درجة ضرورية من الوعي. وهذا لم يتحقق حتى اليوم. وتجدر الإضافة إلى أن الاستعمار الذهني والروحي الذي يعانيه الشعب الألماني إنما يتم بشكل بارع، شرقا وغربا. والمبدأ الأساسي في عملنا السياسي هو النضال ضد هذا النوع من الاستعمار والقضاء عليه، وخصوصا إقناع سكان ألمانيا الغربية بأن عقولهم المستعمرة (بفتح الميم) تجعلهم يخضعون للامبريالية الأمريكية. وعندما يصل عدد معين من سكان ألمانيا الغربية إلى الوعي بكونه مستعمرا (بفتح الميم) فكريا.. آنذاك يصير من الممكن التفكير في إنشاء تنظيم سياسي للنضال ضد الامبريالية.
*الموقف العربي: هل هناك تسمية محددة تطلقونها على أنفسكم؟
-"بوبليس" و"أوفكس": نسمي أنفسنا "قوميين تحرريين" لأننا مع قومية التحرر والانعتاق، وسائل الإعلام الألمانية تصنفنا بالقوميين الثوريين، أي أننا قوميون يستعملون المسألة القومية لتغيير بنية مجتمع ألمانيا الغربية راديكاليا. وسائل الإعلام هذه تعتبرنا ثوريين لأننا نريد استعمال المسألة القومية في أفق ثوري لتغيير الأبنية الاجتماعية في ألمانيا وأوروبا. وبديهي أن هذه التسمية ليست خاطئة، فنحن نعترف بأن القومية كايدولوجيا إنما تنطلق أساسا من مبدأ ثوري.
*الموقف العربي: كيف تنظرون إلى حركة "الخضر" في بلدكم؟
-"بوبليس" و"أوفكس": لدينا نقاط تلاقي عديدة مع "الخضر" ومن ذلك مثلا الإيمان بالديمقراطية القاعدية وبضرورة حماية الطبيعة. إلا أننا لا نتفق معهم في تقديم قضية الطبيعة على قضية الوطن. ألمانيا بالنسبة إليهم تأتي في الدرجة الثانية بعد الطبيعة، وهذا موقف رومانسي لسنا من أنصاره..
*الموقف العربي: إذن أنتم مع ألمانيا قبل طبيعتها؟
-"بوبليس" و"أوفكس": لا هذه قبل تلك ولا العكس أيضا.. حماية الاثنين في وقت واحد، ذلك هو أحد أهدافنا.
*الموقف العربي: هناك رأي يقول بأن عودة اليمين المتطرف إلى أوروبا تعود بالأساس إلى فشل التعايش ببن العملاقين، هل يمكن أن ينطبق هذا على تياركم؟
-"بوبليس" و"أوفكس": الحديث عن يمين متطرف في ألمانيا هو في الواقع حديث عن مصطلح غير موجود بنفس الشكل الموجود عليه في فرنسا أو ايطاليا. فظاهرة لوبان في فرنسا هي ظاهرة تبحث عن إعادة ترتيب وضع فرنسا داخل الحلف الأطلسي، في حين أن "الأمركة" أو الموالاة لأمريكا هي أمر يخص حلقات صغيرة داخل الحزب الديمقراطي المسيحي والتي منها حلقة "تسي. دي. أو" وحلقة " سي. اي. سو" بزعامة شتراوس في مقاطعة بافاريا. هذه الحلقات هي التي تساند أمريكا الريغانية وسياستها المعادية للسوفيات. وبالمقابل فان الحلقات القومية التي تدخل في إطار قومية التحرر وهي موزعة بين حلقات يسارية، والتي نحن منها، وحلقات تتبنى مبادئ نخبوية أو عنصرية ذات الإيديولوجية المحسوبة عموما على اليمين.. هذه الحلقات كلها هي ضد الوجود الأجنبي وهي تريد حماية الشعب الألماني من كارثة كونية ومن الخطر النووي والخراب عبر حرب عالمية ثالثة.
ظاهرة لوبان
*الموقف العربي: ألا يوجد في ألمانيا الغربية تنظيم ضد المهاجرين، على غرار "الجبهة الوطنية" التي أنجبتها الظاهرة اللوبانية في فرنسا؟
-"بوبليس" و"أوفكس": لا نعتقد بأنه يمكن الحديث عن ظاهرة "لوبانية" في ألمانيا.. ولا عن تنظيم سياسي يشبه "الجبهة الوطنية".. هناك، كما في بقية بلدان أوروبا ظاهرة ما يسمى "كراهية الأجنبي". هذه الظاهرة نجدها ممثلة داخل كل الأحزاب التقليدية في ألمانيا. وتحديدا في شخصيات سياسية داخل حلقات مثل "تسي. دي. أو" و"تسي. إي. سو" اللتين تحدثنا عنهما. وتستغل هذه الشخصيات مسألة "كراهية الأجنبي" بهدف اكتساب مزيد من الأصوات خلال بعض الانتخابات. هناك مع ذلك بعض التجمعات السياسية الصغيرة يمكن تشبيهها بجبهة لوبان لكن ليس لها وزن يذكر..
*الموقف العربي: كيف ترون الوطن العربي وكيف تتصورون مستقبل علاقات العرب بألمانيا الموحدة التي تطمحون إليها؟
-"بوبليس" و"أوفكس": الوطن العربي مثل الوطن الألماني، وطن مجزأ وخاضع لهيمنة القوى الأجنبية. وهذا يكفي لكي يجعل العرب والألمان يقفون في خندق واحد. ونود أن نقول، بالنسبة للقضية الفلسطينية مثلا، بأن تضامننا مع أصحاب هذه القضية، ليس وليد موقف مبدئي فحسب وإنما أيضاً وليد تجربة تاريخية. في عهد هتلر وقف الألمان ضد يهود أوروبا. وتولد لديهم بعد ذلك إحساس بالذنب. وتنامى هذا الإحساس مع الهيمنة الامبريالية على ألمانيا. وعلى الألمان اليوم أن يتضامنوا مع الفلسطينيين الذين دفعوا فاتورة ما فعله الألمان ضد اليهود. إن الإحساس بالذنب تجاه اليهود قد جعل ألمانيا تضطر إلى أن تدفع تعويضات لدولة "إسرائيل". هذه التعويضات استغلها اليهود لطرد الفلسطينيين من أرضهم وقمع من بقي منهم. ومن ناحيتنا نحن، فإن تضامننا مع الشعب الفلسطيني يرتكز على ما يلي: لا للمساعدة العسكرية لـ"إسرائيل". نساند فكرة أن يقيم الفلسطينيون دولتهم في فلسطين لأنه لا يحق لـ"الإسرائيليين" الحصول على دولة فوق أرض فلسطين.
إن الألماني البسيط الواقع تحت تأثير شعوره الشقي بالذنب تجاه اليهود، لا يشعر بان الشعب الفلسطيني شعب مضطهد (بفتح الهاء). لذلك يجب توعية هذا الشعب بهذا الأمر، يجب توعيته بقساوة الاستعمار الذي يعانيه الشعب الفلسطيني منذ نحو أربعين سنة.
وحدة أوروبا والوحدة الغربية
*الموقف العربي: كيف تنظرون إلى الإسلام، خصوصا بعد عودته كأداة سياسية إلى ساحة الفعل التاريخي؟
-"بوبليس" و"أوفكس": أول نقطة تجب الإشارة إليها، أولا، هي أن إعادة النظر في الإسلام كما تتم اليوم في ألمانيا وعلى عكس ما كان عليه الأمر في الحقبة الاستعمارية، أتاحت لنا أن نكتشف بان الإسلام هو أساسا دين تسامح. ونود أن نضيف، بأننا نحن كأنصار للتعددية الإثنية، نأمل بان تحافظ الشعوب على تاريخها الخاص ومقوماته، والإسلام في هذا السياق هو إحدى المقومات الأساسية للشعب العربي. لذلك فعلى هذا الشعب ألا يفرط في هذا الدين الذي فيه عنصر التسامح. وعندما نتحدث عن الإسلام فإننا يجب أن نشير إلى أن ألمانيا قد استلهمت منذ العصور الوسطى، من الحضارة الإسلامية، سواء في الرياضيات أو في الفن والأدب والشعر. وكمثال على ذلك ما نجده لدى الشعراء الملحميين مثل فولفغانغ غوته وفولفهوم باخ..
*الموقف العربي: أصحاب ما يسمى "الطريق الثالث" في فرنسا، وهو تيار فرنسي مماثل لتياركم من حيث التشخيص والنقد والأهداف، يطرحون فكرة مشروع حضاري عربي أوروبي.. فما رأيكم؟
-"بوبليس" و"أوفكس": نحن نأمل أن تعود علاقات التبادل بين حضارتينا العريقتين، أي أن يعطى كل واحد ما لديه وان يأخذ من الثاني ما يفتقر إليه.. هذا من الناحية الحضارية. أما ما الناحية الاقتصادية فإنه يجب اعتبار أراضي أوروبا وأراض العرب منطقة للمصالح " الجيوسياسية" المتبادلة. لذلك يجب على الأوروبيين والعرب حمايتها من الهيمنة الامبريالية. يجب خلق منطقة تبادل بين بلداننا. وداخل هذه المنطقة يجب احترام مبدأ "التعددية الإثنية" تماما مثلما كان يحترمها الإسلام وهو في أوج حضارته. وبسبب التسامح الديني كان المسيحيون والنسطوريون واليهود يعيشون في سلام داخل الدولة الإسلامية... ستكون المنطقة العربية الأوروبية "الجيوسياسية" قادرة على الدفاع عن نفسها وعلى لعب دور الذات الفاعلة في التاريخ وليس دور الذات "المشيئة" في ظل الامبريالية. في هذا الإطار يكون باستطاعة العرب تحقيق وحدتهم وباستطاعة الألمان ثم الأوروبيين تحقيق وحدتهم هم أيضا. وبذلك يكونون مثلا يُحتذى لدى دول العالم، في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. خصوصا بعد أن كف النموذج الأمريكي وكذلك السوفياتي عن أن يكون كل منهما النموذج الأمثل.
أجرى الحوار: محمد الرفرافي
RAFRAFI
@rafrafi_med
03:47 Publié dans actu, En arabe, Histoire, Pensée, Politis | Lien permanent | Commentaires (0) | Facebook | |
samedi, 09 avril 2016
Le neuf avril n'est pas neuf
Le 9 avril 1938 tunisien, le 9 avril 1948 palestinien (Deir Yassin) et le 9 avril 2003 irakien, trois dates pour une même douleur ranimée.
شاء أن يكون التاسع من أفريل/نيسان من كلّ عام، بالنسبة لي كتونسي، هو ذكرى شهداء تونس (1938) في معركتهم ضد الاستعمار الفرنسي؛ ثم، وكعربي، صار أيضا متزامنا مع مذبحة "دير ياسين" (1948) ثم مع ذكرى سقوط بغداد سنة 2003.. في هذه الذكرى، أنشرُ هنا ما كنت كتبته في بداية سنة 1998 إثر آخر زيارة إعلامية لي قمت بها للعراق وهو تحت الحصار. كان نصّا حزينا وغاضبا. وكانت إحدى صحف تونس قد نشرت جزءا منه كافتتاحية لها في الصفحة الأولى. منذ ذلك التاريخ وإلى اليوم تغيّرت أشياء كثيرة لكن حصار الشعوب مازال على أشدّه:
ياَ عراقُ
ياَ عراقُ لا تَنْضُبْ فأنتَ الظَمَأُ وأنتَ الماءُ... جَدِّدْ أحلامَك وأزرَعها مزيداً من النَّخْل على امتدادِ بشْرتك الطِّينِيِة... يا عراقَ البَدْءِ والأسطورةِ والسّرْدِ، كانَ الكلامُ منكَ ينهمِرُ وابِلَ رُوحٍ، نهْرَيْنِ لِبَابُلَ الألْسُنِ الأُولَى، وهذا بعْضٌ من رذَاذِكَ فِيَّ ومِنِّي..
يا عراقَ الشِّعْرِ، عَجِّلْ ولا تقفْ مُنْدَهِشاً بينَ لِساني ونبْضي. سِرْ حثيثاً إلى انسيابِك ولا تلتفتْ إلى قوْليَ هذا، فتغْدو تِمثالاً من مِلْحٍ ومِنّي... ليس لَدَيّ ما قدْ يسُدُّ لكَ الرّمَقَ سِوى أرَقي الخاوي، سِوى انشغالي مِثلَ كلِّ أشقَّائي عن مشروعِ سقوطِكَ اليُوسُفِيِ في بِئْرِ خديعَتِنَا الحديثة، هذا القاعِ السحيق من لا وعْيِنَا المُعْتَمِ..
يا عراقَ القَهْر من النَّهْر إلى النّهر، قَدَرُكَ وَرَمٌ على جِلْدِ وَقْتِنا الكالِحِ، وأنت الأبْقى... أبْقى من تاريخِكَ الطّاعِنِ في الطِّينِ وَفِينَا..
يا عراقَ اللَّوْحِ المَحفوظِ في الشّمْس، أما زال في أَدِيمِكَ طِينٌ للذّاكرة ؟... مَجْدُكَ هَرَمٌ مِن بُطولاتنا المُحَنَّطَة، يُطِلّ على انكِسَارَاتنا المَبْثُوثة حِنْطَةً لِرَغِيفِ أيَّامِنا المتشَابهة..
يا عراقَ الصَّبْر، لَبَنُ أطفالِكَ أبيضُ هو الآخَرُ مِثْلَ نِسْيَانِي.. مِثْلَ أَسْنَانِيَ الأُولى التي أَلقيْتُها في البِئْرِ.. أَصْبِرْ إِذَنْ علَى يأْسِيَ، فأَنا مُواطنٌ في الصَّمْتِ، وصامِتٌ في الوطَنِ.. في هذا الوطَنِ الصَّاخبِ بالبلاغة والصَّامِتِ ببلاهة... لا تَعْبَأْ بِما أقولُهُ لكَ عَنْكَ، فَأَنَا -ومِثْلَ كُلِّ عَرَبِيٍ مُتَكَاثِرٍ هَدْراً في أَعْيُنِ الأعْداءِ- وحيدٌ وأَعْزَلُ مُنْذُ انفِطَاميَ مِنْكَ قبْلَ كَمْ مِن أَلْفِ عامٍ وقبلَ كُلّ عامٍ وحِينْ..
يا عراقَ التَّمْر، أنتَ أعْرَقُ مِنْ أنْ تُحْشَرَ بِنَخْلِكَ في مُعَادَلَة العَصْر، تلك التي صِيغَتْ على سبيلِ الحَصْر.. والحِصار.. في عِبارة "النفط مقابل الغذاء"، وهْيَ لم تكن تعني في آخر الأمْرِ الأَمَرِّ، سوى "الغذاء من أجل الحفاظ على البقاء".!
وَأَيُّ بقاءٍ! وأنتَ الذي علَّمْتَنَا جميعاً وعلّمْتَهُمْ مِنْ قَبْلِ تَوَرُّمِهِمْ، مَلْحَمَةَ البحث عن عُشْبَةِ البَقاء؟
يا عراقَ الحُلْمِ.. العراقيُ يجوعُ اليومَ من أجلِ بقائِكَ وأيْضاً من أجْلِ حُلْمِنَا الشامِلِ، ذلك الحُلْمِ الممنوعِ والمُمْتَنَعِ عنَّا نحنُ المُنْحَدرين بِقُوَّة الدَّفْع التِّلْقائي مِنْ رِبَاطِنا إلى مَسْقَطِنا.. نحو التلاشي.
يا عراقَ الشَّعْب، لقدْ تَشَعَّبَتْ حَوْلَك الآراء والأهواء والأهوال، وأنا في عُزْلَتي العربية أراك، بيْن القال والقيل، مُنشغلاً بِوَاقِعِ الحال الثَّابت والأثْرى من حسابات المُمْكِن والمَأْمول والمُستحيل. وما قَلَقِي -وهو قلقُ أمثالي الكُثْرِ من أحْفَاد بنِي الضَّاد- إلاّ على مَصير هذا القَدَرِ المُتَفَرِّد في كَوْنِك العَربي الأَوْحَد في الجَمْع بين التاريخ والطاقة، ولَعَلَّهما أخْطَر سِلاَحيْن يُشَكِّلان مصدرَ صُداعٍ لِكُلِّ مَنْ يَسْعَى إلى اخْتِزَالك واخْتِزالي واخْتِزالنا إلى مُجَرَّد "بَرَاغٍ" وزَيْت، في آلة العوْلَمةِ الطاحنة..
أياَ عراق، أياَ تاريخنا الإنساني حين يدفعنا قُضاة الحق الدولي إلى تذكُّر حمورابي، "جدّهم" الرّوحي الأوّل؟ ويدفعنا علماءُ اللغة إلى استحضار "بابل"، منبتُ اللغات ونَسْغها، ويُحِيلنا مبدِعُو العالَم وفنّانوه إلى استحضار جلجامش، صائد الأبد..
أياَ تاريخنا القومي، حين نستحضر المنصور بانيَ بغداد، والمأمون، بانيَ الثقافة..
أياَ تاريخنا الدِّيني، حين فتح الإيمانُ قلبَه لِهواء العقل، فكان الكِنْدِيُ والمُعتزلة..
أياَ تاريخنا الأدبي حين نستظل بعمالقة القوْل، من المُتنبّي إلى السيّاب..
أياَ فُراتنا العذْب ودِجْلتنا السّخية حين تزحف الصّحراءُ إلى صدورنا..
أياَ نفْطنا، حين يقْتدِي بالحِبر فننْهل منه قبل أن يركب البحرَ ويغتربَ..
وقدْ يتساءلُ المتفائلونَ: ما المانع إِذَنْ مِن أن نقِفَ معاً وقْفَةَ النَّخيل، ونصْنَعَ مِن وُقُوفِنا حِصْناً ومِنْ ظِلِّنَا واحَة؟ أن نقفَ معاً وقفةَ الأحياء فَيَنْعَمُ الأمواتُ مِنّا بالراحة؟ أن نقفَ معاً حتى لا يَغْدُو العراقُ رَسْماً دارِساً أوْ إِسْماً آخَرَ لِدَمْعٍ مُسَالٍ فوْقَ دَمِنَا المُرَاق منذُ يومٍ وَمنذ دَهْرٍ طويل؟
يا عراقَ القَلْبِ، لقَدْ انسدَّتِ الشّرايينُ فِـيَّ وفيناَ مِن شِدَّة التّوَتُّر الثَّوْرِيِ والعقائدِ المُسْتَفْحَلة باستِفْحَالِ شَقَاءِ لاَوَعْيِنَا الأخْرَقِ بذَاتِنَا... ولم يبْقَ مِنْكَ ومِنِّي ومِنَّا، مُنْفَتِحاً جُرْحاً، غَيْرُ كَرْبلاء لِكُلِّ بَلاَء، بات عليْنَا أنْ نَسْتَعْذِبَهُ...
يا عراقَ التَّعَب، لَمْ أَعُدْ أقْوَى على مَحَبَّتِكَ، فقَدْ شاخَتْ فِـيَّ مشاعِرِي نَحْوَكَ، ومثلُك لمْ أَعُدْ أقوَى على مُنْتَهَى الغَضَبِ. وأنتَ على الرَّغْم مِن ذلك الأبْقَى، فأنتَ البدءُ والأَزَلُ، إِنْ شِئْتَ، وأنَا الطَّلَلُ.
محمد الرفرافي
مارس 1998
RAFRAFI
Twitter: @rafrafi_med
17:57 Publié dans actu, En arabe, Histoire | Lien permanent | Commentaires (1) | Facebook | |
samedi, 08 août 2015
Camus sur Hiroshima
Albert Camus (1913-1960) sur Hiroshima. L'éditorial de Combat du 8 août 1945
Traduit en arabe par RAFRAFI
في مثل هذا اليوم وقبل 70 سنة بالضبط، الفيلسوف والأديب الفرنسي آلبير كامو (1913-1960) يكتب عن هيروشيما افتتاحية صحيفة "كومبا" (كفاح) بتاريخ 8 أغسطس/آب 1945
العالَم هو ما هو عليه، أي نذْرٌ يسير. هذا ما يعرفه الجميع منذ يوم أمس عبر العرض الهائل الذي انخرطت في تقديمه الإذاعة والصُّحف ووكالات الأنباء حول موضوع القنبلة الذرية.
وبالفعل، وفي خضم سيل التعليقات الحماسية، أخبرونا أن أيّ مدينة متوسطة الحجم يمكن تدميرها بالكامل بواسطة قنبلة بحجم كرة قدم. كما انخرطت صُحف أمريكية وإنجليزية وفرنسية في تحرير مقالات أنيقة حول المستقبل، والماضي، وحول المخترعين، والتكلفة، وحول النزوع للسِّلمية وآثار الحروب والعواقب السياسية وحتى حول الطابع المستقل للقنبلة الذرية. ولِنُلخّص ذلك في جملة واحدة: الحضارة الميكانيكية وصلت للتوّ إلى آخر مستوياتها من الوحشية. سيكون علينا أن نختار، في مستقبل قريب نوعا ما، بين الانتحار الجماعي أو الاستخدام الذكي للاستكشافات العلمية.
وفي انتظار ذلك، فإنه من الممكن أن نتصوّر أن هناك بعض البذاءة في أن يُحتفل هكذا باكتشاف جُعِل مبدئيا لكي يكون في خدمة الغضب الأكثر شراسة في التدمير من طرف الإنسان على مدى قرون عدة. أن يكون العِلْمُ في عالَمٍ متروك لجميع نكبات العنف، وعاجز عن أي تحكّم، وغير مكترث للعدالة ولسعادة البشر البسيطة، مكرّساً للقتل المنظم، فإن لا أحد دون شك، ما لم يكن أسير مثالية مستفحلة، سيخطر بباله أن يستغرب من ذلك.
على الاكتشافات أن يتم تسجيلها وتفسيرها وِفْق ماهيتها، وأن يتم إعلان ذلك على الملأ حتى تتوفر للإنسان فكرة صائبة عن مصيره. لكن أن تُحاط هذه الفضائح المروعة بأدبيات خلابة أو ساخرة، فهذا ما ليس مقبولا.
نحن، مُسْبقًا، لا نتنفّس بسهولة في عالم معذَّب. وها هو قلقٌ جديد يُعرَض علينا، ومن المرجح أن يكون حاسما. ودون شك ها هي البشرية أمام فرصتها الأخيرة. وربما سيكون ذلك في آخر الأمر مبررا لإصدار نشرة خاصة. ولكن سيكون ذلك بالتأكيد موضوعا لبعض الأفكار ولكثير من الصمت.
إلى جانب ذلك، هناك أسباب أخرى لأن نتلقّى بتحفظ الرواية المستقبلية التي ستقترحها علينا الجرائد. وعندما نرى المحرر الدبلوماسي لرويترز يُعلن أن هذا الاختراع من شأنه أن يجعل من المعاهدات أمرا قد عفا عليه الزمن أو يجعل من القرارات بما فيها قرار بوتسدام قرارات منتهية الصلاحية، ونراه يعلن أنه لا يبالي إذا كان الروس موجودين في كونيغزبيرغ أو الأتراك في مضيق الدردنيل، فإننا لا نستطيع إلاّ أن نضفي على هذا الاستعراض الجميل، نوايا غريبة بما يكفي، عن الحياد العلمي.
عسى أن تفهموننا جيّدا. إذا استسلم اليابانيون، بعد تدمير هيروشيما، بفعل التخويف، فنحن نفرح لذلك. ولكن نحن نرفض أن نستخلص من حدث خطير مثل هذا، شيئا آخر غير قرار الدفاع بحزم أكبر من أجل مجتمع دولي حقيقي، حيث لا يكون للقوى العظمى حقوق متفوقة على الدول الصغيرة والمتوسطة، وحيث تكف الحرب، تلك الآفة التي صارت فقط بسبب الذكاء البشري أمرا لا مفرّ منه، عن أن تكون مرهونة بأطماع أو بمذاهب هذه الدولة أو تلك.
أمام الآفاق المرعبة المفتوحة على البشرية، فإننا مازلنا نرى جيّدا أنّ السلام هو المعركة الوحيدة التي تستحق أن نخوضها. لم يعد هناك مجال للرجاء بل لأوامر تصدر من الشعوب تُوجِّهُها لحكوماتها، أوامر بأن تختار نهائيا بين الجحيم والتّعقل.
آلبير كامو
ترجمة من الفرنسية محمد الرفرافي
RAFRAFI
05:30 Publié dans actu, En arabe, Histoire, Pensée, Politis | Lien permanent | Commentaires (0) | Facebook | |
jeudi, 07 novembre 2013
Soucis de terroir natal (9)
Quelques jours après le "détrônement" de Bourguiba le 7 novembre 1987, j'ai publié un billet de satire en langue arabe intitulé "Adieu le Habib (le bien-aimé) de ton époque" (Voir image ci-contre) dans l'hebdomadaire Al-Moustaqbal, paraissant à Paris. Vingt-six ans après, je propose ici pour mes visiteurs arabophones à lire ou relire ce billet:
من دفتر الوطن
وداعاً حبيبَ عَهْدك
محمد الرفرافي
كانَ يصْعُبُ عَلَيَّ منذ حداثة سِنِّي، أن أراك تُشبِهُ غيْرَكَ. وكان اسمك حين كنتُ أهتِفُ بحياتِك وأنا صغير، هُتافا طُفوليًا مَرِحًا، اسمًا مُتميّزا بِنُطْقِه اللاَّتيني وَبِوَقْعِه المُتناغمِ مع كلمة «يَحْيَا». وكان يُخَيَّلُ إليَّ أنَّ يَحْيَا لا بدّ أن تَتْبَعَها بورقيبة (بِقلْب القاف إلى جِيمٍ «مَصْرية»، مع تفْخيم الباء الثانية) لم يكنْ اسمُك في مُخيِّلَتي اسما عاديا بين الأسماء. كان اسمًا أليفًا كتحية الصباح ومُشاعًا كلفْظة الدّينار. وفي نفس الوقت كان يبدو لي غريبًا مِثْل بَلَدٍ بعيد ومُخيفا مثل لفْظة الشُرطي... لم يكن اسمُكَ مُنفصلا عن صورتك، وعندما كنتُ أراك مارًّا في موْكبِك أوْ أرى صُورَتَكَ في العُمْلَة أو في الصُّحف أو في «بوسترات» الحائط كنت أقولُ صامتاً: إن بورقيبة هو هذا الرّجل وأنّ هذا الرّجل هو بورقيبة.
كانت قامَتُكَ القصيرة تبدو أطْوَلَ من باعِ البَعْض في التعليق والتَّنَدُر. وكان لونُ عينيكَ وبَشْرَتَكَ يُثير دهشتي وارتياعي. كنتَ تختصرُ بِزُرْقَةِ عينيكَ ملامحَ فرنسا، وتختصرُ بِطُرْبوشك «الاسطنبولي» الأحمر، ملامحَ تونس العثمانية. كنتَ مِثْلَ بَلَدِكَ، مَزيجًا غريبًا من عَهْدين: الحُسَيْني والفرنسي ومن ثقافتين: واحدة محلية ترتكزُ على عُروبةٍ «مُتَوْنَسَة» وأخرى غربية أساسُها عقلانية ميكيافلية مع نزْعة ليبرالية على الطريقة الوَفْدِية. وبتعبير آخر كنتَ التَّوْليفَ الأمْثلَ بيْن الباي والمقيم العام الفرنسي. بل كنتَ «أتاتورك» التونسي الذي حَوَّلَ بَلَدَهُ في آخر عهْدهِ إلى رجُلٍ مريض.
لمْ يكُن وَالِدي، الحِرَفِي أبًا عنْ جَد، يُحدِّثُنِي عنك أكثرَ مِمّا كان يُحدّثني عن عبد العزيز الثعالبي وعن رفاقِكَ صالح بن يوسف والحبيب ثامر والباهي الأدغم وفرحات حشاد. وأيضاً عن تشرشل الذي كانت تحْلُو لَهُ مُقارَنَتك بِهِ وبِسَبَبِ تَرْبِيَتِه المحافظة لم يكن أبي يستسيغ دعْوَتَك إلى نَزْع حِجاب المَرْأة أو إلى الإفطار في رمضان. ومع ذلك، واستجابة لنداءات الإذاعة التي تُعلن في الأعياد الوطنية عن جَوْلاتِك في شوارع المدينة، لم يكن أبي يترَدَّدُ في رفْع العَلَمِ التونسي ومَعَهُ عَلَم الجزائر التي لم تكُنْ نالَتْ استقلالها آنذاك بَعْد، فوق دكان حِدادَتِهِ الذي انتَزَعَه مِنْه فيما بعْد أحدُ الذين استفادوا مِن عهْدك واغتَنَوْا من سياستك. وكان أحدُ أعمامي لا يُدين في عهْدِك بالولاء إلاّ لجمال عبد الناصر ولإذاعة "صوت العرب" التي كان لا يفتَحُ الراديو إلاّ من أجلِها. ومع تدهورِ علاقاتِك مع القاهرة، صارت "صوت العرب" تبدو لي وكأنّها إذاعة «مُحَرّمَة» لا يسمعُها إلا المغضوب عليهم. وأذكر أنني سألتُ أبي مرّة عن جارِنا الحَلاّق الذي كان أبي قدْ قال لِي عنْه بأنّه شيوعي. سألتُه عن معنى هذه الكلمة، فأجابني: أي الذي لا يؤمن بالله. وأذكرُ أني سألته أيضاً عمّا إذا كان جارُنا من «جماعة بن يوسف» مِثْلَ عَمْ فُلان، فكان ردُّهُ بالنّفْي مُضيفا بأنّه ليس دستوريًا مثلهم. فقلتُ مُتعجِّبًا: ألاَ يخافُ من بورقيبة إذن ؟ فأجاب مُنْهِيًا الحوار: لا خوف إلا من الله.
كان العلم التونسي بِهِلالِهِ ونَجْمته الحمراء و«المُشتق» من العلم العثماني، يبدو لي وكأنّه رِداءُ حُضورِكَ ولوْنُ انتشارِك. كان هذا العَلَم وكذلك النشيد الرسمي (ألا خلِّدي...) الذي حَفِظْتُه وأنا صغير، هُمَا الجَناحان اللّذان تُحَلّق بِهما صورَتُكَ في الذِّهن. كانا يَبْدُوَان لي مِثْل أُكْلة شعْبية. وكانا يُرافقانِك خارج تونس مِثلما يُرافق وَالِدَتِي خارج البيت حِجَابُها وصَوْتُها.
استطعتَ أيضاً أن تقنعَ العديدَ مِن مُواطنيك بـ «قِزَمِيَة» مُعارضيك وبِكونِهم ليسوا سوى «أبناء ضالين» إلى حد أنّه بات من الصّعب، منذ المحاولة الانقلابية في بداية الستينات، أن يتصوّرَ رَجُلُ الشارع التونسي إمكانية وُجودِ مُعارِضٍ لَكَ قادرٍ على أنْ يَفْلَتَ كُلّيا ليس فقط من غضبِكَ بلْ ومِن عَفْوِك أيْضاً. لقد بات من الصّعب، حتّى وأنتَ شِبْهَ غائِبٍ عن الحُكْم في السّنين الأخيرة، أن يتصوّرَ المَبْهُورون بِكَ بِأنّ هناك مَن يُمكن أنْ يَمْلَأَ فراغَك حين ترْحل. لقد ملأتَ مرحلتَكَ مِثلما تمْلَأُ الشّمسُ نهارَها. وصار النّاظر إليك من أنْصارِك مِثل النّاظر إلى الشّمس حِين يُنقِل نَظَرَهُ إلى جِهة أخرى لا يَرى سِوى الظّلام.
إدمانُكَ في الحديث عنْ نفسك، عن تفاصيلِكَ وهُمومِكَ الصّغيرة وأنتَ صغير والكبيرة عندما كَبُرْتَ، عنْ أهلِكَ ومَعارفِكَ، عنْ أصدقائك وأعْدائك، عنْ أفراحِك وأحزانِك، عنْ مُرَكَّباتِك النفسية وعيوبِك الجَسدية (مُحاضراتُكَ أمامَ معْهد الصّحافة سنة 1974) عنْ تاريخ تونس الذي قلتَ عنْه بأنّه تاريخُكَ أنتَ وأنّه بدأَ فِعْلِيًا مُنذ وُلِدْتَ، وعنْ تونس التي قلتَ ذاتَ مرّة أنّك مسؤولٌ عنْ مَصيرها ليس فقط في الدّنيا وإنّما أيضاً في الآخرة... كلُّ ذلك كان يَدْفَعُ بِتونِسِيِّيك المُخْلِصين لَك إلى مزيدٍ من الانبِهار بِك، وأيضاً إلى التّقوقع داخلَ شخْصيتِكَ المُتفاقِمة ونرْجسيتك المُتعاظمة. ومِنْ خِلال ذلك كنتَ تُتَرْجِمُ بالقَوْل، قَناعَتَكَ بأنّك أنتَ تونس وأنتَ الدّولة، تمامًا مِثلما كنتَ تُتَرجم عمَليًا هذا التّماهي عندما كانت سِباحَتُكَ في البحْر صَيْفًا وتَنَزّهاتِك اليومية مَشْيًا، ورِحْلَاتُك الاستشفائية أحيانًا، وفَتَراتُ نقاهَتِك أحْيانا أُخرى «أخبارًا قومية» تتصدّرُ كلَّ أخبار العَالَم حتّى ولوْ كانت أخبارَ نِهايتِهِ. صحيحٌ أنّك لم تكُن الاستثناءَ الوحيدَ في عالَم السُّلطة، وأنّك لم تكُن طَفْرَةً في «تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السّلطان الأكبر» إلّا أنّك كنتَ جِدَّ مُخْتَلِفٍ على الأقل عنْ أسْلافِك في تونس، في بقائِك الأطْوَلَ في السّلطة.
... وأخيرًا ها أنتَ رحلْتَ قَبْل أنْ تَرْحَلَ... فلا تَكْتَئِبَ إنْ نَسِيَكَ مُستقبلُ تونس الّذي تأجّل، إنْ نَسِيَكَ يَاسَمِينُهَا القَادِمُ بِبَيَاضِهِ المُتَجَدّد، وزيْتونُها الّذي عاصَرَ كُلّ مَنْ جاءَ قبْلك... واطْمَئِن فَبَعْدَ «أُبُوَّةِ» عهْدِك، لاَ يُتْمَ في تونس بعْدك.
مجلة "المستقبل" الباريسية الأسبوعية
نوفمبر 1987
13:40 Publié dans actu, En arabe, Histoire | Lien permanent | Commentaires (0) | Facebook | |