Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

« Déceptions sionistes | Page d'accueil | Soucis de terroir natal (3) »

mardi, 04 janvier 2011

Soucis de terroir natal (2)

Ibn_Khaldoun.jpgJ’introduis ci-après une deuxième note écrite en arabe, ma langue maternelle. La raison est quasiment la même que celle déjà indiquée pour la première note publiée en arabe, ici même, voici 3 ans : ‎la teneur des notes écrites dans cette langue, intéresse, tout particulièrement, un ‎lectorat autochtone dont certains lecteurs sont uniquement arabophones.‎ j’en profite par ailleurs pour souhaiter aux amis et à mes visiteurs de passage une année 2011 plus humainement soutenable.‎/

يا سيدي بوزيد، أين منا ابن خلدون؟

 قال بعض السلف الصالح: ما تعاظم أحد على من دونه إلا بقدر ما تصاغر لمن فوقه

("أبو حيان التوحيدي، من كتابه"الإمتاع والمؤانسة)

 إذا كان حادث اغتيال وريث العرش النمساوي الأرشيدوق "فرانسوا فرديناند" سنة 1914 في سراييفو على يد طالب صربي، هو في حد ذاته، وعلى سبيل المثال، حادثا معزولا، إلا انه لم يمنع من إشعال فتيل الحرب العالمية الأولى. ذلك ما تعلمه جميعنا من درس التاريخ المقرر في برامج تونس التعليمية، ويضيف هذا الدرس مؤكدا أن هذا الحادث الذي كان فتيلا، لم يكن، مع ذلك، من بين أحد الأسباب العميقة وغير المباشرة لتلك الحرب الكونية الأولى.

 هذا النوع من المسلمات يغيب عن قصد أو عن غير قصد، من ذهن من يرددون اليوم أن حادث إحراق الشاب بوعزيزي نفسه في مدينة سيدي بوزيد، هو مجرد حادث معزول سعت جهات إعلامية مغرضة لاستغلاله متسببة في خلق موجة من الاحتجاجات في كل مكان. الغريب في هذا الاستنتاج هو أن أصحابه لا يتساءلون لماذا هذا الحادث بالذات الذي أثار شهية تلك الجهات؟ فالأحداث المعزولة كثيرة في كل وقت وفي كل مكان تقريبا؟ أما إذا كان السبب يتمثل في أن الحادث يتسم بصبغة رمزية علاوة على فظاعته، فهذا من شأنه إذن أن يستدعي على الأقل نفس الاهتمام الإعلامي الذي ناله تَكَاوِي هِيمُورِي، ذاك الرجل الياباني الذي قرَّرَ سنة 2002 أن يحتجَّ على جرائم إسرائيل وعلى حصار الرئيس عرفات، بإحراق نفسه في حديقة عامة في طوكيو، وقد تُوفي (وكان عمره 54 عاماً) متأثراً بحروقِهِ. 

 المهم هو أن حادث سيدي بوزيد الذي لم يتسبب على حد علمي في حرب أهلية في تونس ولا في حرب عالمية ثالثة، يستوجب وضعه في سياقه الصحيح كمؤشر على تراكمات اجتماعية-اقتصادية-سياسية، حان الوقت لإزالتها بدل البحث عن أكباش ضحية خارجية... 

 وقبل أن أتناول بالتعليق "أغنية" التحريض الإعلامي "المغرض" التي مازالت أبواق الخطاب الشمولي ترددها بينما نعيش عصر "مجتمع المعلومات" والمواقع الاجتماعية على الانترنيت مثل "الفايس بوك" و"تويتر" و"المدونات" ومواقع التسريبات مثل "ويكيليكس"، أراني مدفوعا إلى تذكير أصحاب حناجر تلك الأبواق خاصة منهم أولئك الذين يمرون يوميا بالقرب من تمثال العلامة ابن خلدون المنصوب في قلب العاصمة التونسية وبالتحديد وعلى نحو رمزي بين كاتدرائية العاصمة وسفارة فرنسا، أن أفكار هذا العلامة العملاق لا أثر لها في واقع تونس المعاش اللهم في الخطاب الأكاديمي وحسب. أما الممارسة السياسية والإعلامية فهي ما زالت بعيدة بل ومتأخرة بقرون عن الخطاب الخلدوني. 

 ومن بين مفارقات خطاب تلك الأبواق، وهو خطاب زعيم معارض رسمي، دعي للإدلاء بدلوه من قبل فضائية "معادية"، ما قاله هذا الزعيم مستنكرا "تهويل" هذه الفضائية للأحداث ومبررا في الوقت ذاته خلفيات ما حدث بكون تونس لا تنام على بحر من النفط أو الغاز وهو مبرر، أقل ما يقال عنه أنه إما ساذج أو مغرض، ويكفي لدحضه ما تعيشه الجزائر من أزمات اجتماعية اقتصادية مماثلة وهي دولة تنام على بحار من الغاز والنفط، ومن المفترض أن يكون هذا الزعيم المعارض مطلعا على الجملة الشهيرة التي أطلقها زميل له وهو زعيم معارض جزائري ثم تبناها ورددها بعده مسؤول جزائري رسمي، وهي أن "الجزائر عبارة عن دولة غنية وشعب فقير" 

 وحتى لا أظلم من ناحيتي ابن خلدون فأقحم بعضا من أفكاره قسرا في سياق قد يبدو للبعض معقدا وللبعض الآخر سياقا عاديا جاء كنتيجة لأزمة عالمية، ها أنذا اقتطف أجزاء من دراسة لخبير عربي اقتصادي معاصر وهو د. أسامة قاضي، الذي تناول أفكار هذا العلامة من زاوية مالية-اقتصادية-اجتماعية-سياسية، أراها كفيلة بأن تضع ما يكفي من ألوان على صورة الوضع التونسي الداكن والمعتم. ولا يحتاج ما سيلي إلى توضيح أو تدخل من قبلي لأن كلام ابن خلدون واضح وتوضيحات الخبير أكثر وضوحا. يقول الخبير: 

 هناك اعتبار أساسي وراء غنى الأمم التي عبر عنها ابن خلدون ب “سبب كثرة المال” فهو كعالمٌ اجتماعي موسوعي لم يغب عنه البعد الإنساني أثناء تحليله للقواعد الاجتماعية الحاكمة لنهوض الأمم وأهمها هو أن “كثرة العمران محفوظ برعاية العدل” لأن “المال بالخراج والخراج بالعمارة والعمارة بالعدل” والسبب الأساس في فقر الأمم أو “نقص المال” هو الظلم، وقد عدّه أولى أسباب فقر الدولة، وقال في الظلم “هو العدول عن العدل الذي به كثرة المال ونماؤه” هذا النماء قد يتعرض لآفات” أولاها الخدمات الزائدة عن الحاجة” والآفة الثانية تتجلى “في وجوه إنفاق السلطان الأموال” عن عدة طرق منها “كثرة نفقة السلطان في خاصته لانغماسه في نعيم الترف” أو ما يعرف اليوم بالفساد الإداري والآخر “في كثرة ما يحتاج إليه في عطاء الجند” أو بمعنى آخر تضخم حصة ميزانية الدفاع في الميزانية بحيث تفقر باقي القطاعات، وكذلك “كثرة أرباب الدولة لأخذهم بما أخذ السلطان” بحيث يستشري الفساد والمحسوبية إلى كل قطاعات الحكومة، وكذلك ضعف النظام الضريبي “ضعف الحامية عن جباية الأموال من الأعمال القاصية” وأما الآفة الثالثة فهي تجارة السلطان والتي عدّها من أعظم الآفات “المضرة بالرعية المفسدة للجباية”... أما الآفة الرابعة فهي “نقص عطاء السلطان” والمترجم بنقص الأجور، وقد أبدع ابن خلدون في إشارته إلى سبب قلة أو ضعف الأجور والتي ستكون سبباً في ضعف النمو الاقتصادي للبلد أو ما أسماه “نقص المال” وهذا الضعف التنموي سيكون من وجهين “أحدهما أن الدولة هي السوق الأعظم للعالم والمادة المتصلة لعمرانه فإذا احتجز السلطان المال أو فقده قلّ ما بيد الحامية وانقطع مأمنهم لأتباعهم فقلّت نفقاتهم التي هي أكبر مادة الأسواق، إذ هم معظم السواد، وذلك موجب للكساد وضعف أرباح المتاجر فتقل الجباية لضعف مادتها ويرجع وبال ذلك على الدولة من حيث قصر حسن النظر إليه” وبهذا الشرح الموجز استطاع ابن الأزرق (أبو عبد الله، شمس الدين الغرناطي)أن يطرح مقاربة لما طرحه جون مينارد كينز بعد أكثر من خمسة قرون، حيث تكاد تقارب نظرية التضخم المشتقة من التحليل الكنزي التي تسمى نظرية التضخم الناشئة عن جذب الطلب. 

 ويضيف الخبير متسائلا: 

 وكيف تحافظ الدولة على النشاط الاقتصادي والتنمية القائمة في البلاد؟ فكان أول ما أشار إليه ابن خلدون هو العدل لأنه “لا جباية إلا بعمارة ولا عمارة إلا بالعدل”... أما ما الذي يخل بحفظ العمارة فهو اختلال ميزان العدل لأن “العدل تحفظ به العمارة فالظلم يخل بحفظها” ويترجم الظلم في البلد من خلال “وضع الضياع في أيدي الخاصة” وكذلك يقوم المفسدون ” بالعدوان على الناس في أموالهم” لذا فإن ابن خلدون يزجي نصيحة ليت كل الحكام الفاسدين وأعوانهم يأخذوا بها “علينا أن ننزع الظلم عن الناس كي لا تخرب الأمصار وتكسد أسواق العمران، وتقفر الديار وخاصة وأن الشارع أشار في غير موضع إلى تحريم الظلم”... “إن نقص العمران بالظلم يقع بالتدريج” ويتوقف طول وقصر زمن الخراب “حسب كبر حجم المصر” ويتوسع في مسالة الظلم التي يراها المرض المستحكم في الدولة الفاسدة بقوله “يقع الخراب بالظلم دفعة واحدة عند أخذ أموال الناس مجاناً والعدوان عليهم في الحرم والدماء. ويقع الخراب بالتدريج 

 وينتهي الخبير إلى الاستنتاج: 

 إن خلاصة مقولة ابن خلدون تقتضي تحقيق العدالة لأنها مصدر التنمية الاقتصادية الحقيقية وبها فلاح الأمم ونهوضها، ولقد بشر ابن خلدون الحكومات التي تضطهد شعوبها بحجج سياسية واقتصادية بأن مصيرها الانحطاط والزوال... ولكن السؤال الأهم هل يسود العدل الدول الإسلامية الـ57 التي لا يتمتع منها بالحريات المدنية والسياسية سوى خمس دول فقط، ويعيش معظمها تحت خط الفقر، فأين حكامنا من مقولات ابن خلدون؟

 هذا بعض ما جاء في قراءة الخبير المعاصر لفكر ابن خلدون الاقتصادي والاجتماعي، وما استنتجه شخصيا هو أن هذا العلامة المحسوب على تونس لا أرى أفكاره تحظى في بلده بذاك الاستيعاب الكافي، طبعا ليس من طرف الأكاديميين، وإنما من طرف النخب السياسية والاجتماعية المتعاقبة على هذا البلد على الأقل منذ انفصاله عن فرنسا. وبدون تأويل اقتصادوي أو ماركسي، فإن رؤية ابن خلدون لما هو اجتماعي-سياسي لا تنفصل عن البعد الاقتصادي الذي يشكل تقريبا عصب هذه الرؤيا أو قل ركيزة للتطور العمراني تاريخيا. وما يقوله ابن خلدون لا ينطبق على تونس فحسب بل على كافة أقطار المعمورة، المتقدمة منها والمتخلفة، النامية منها والنائمة، لأن ما يقوله حول مفهوم العدل وعلاقته بالسلطان (المعنوي والمادي)، إنما هو الموضوع المزمن الذي يحكم سياسات حكومات العالم منذ أثنيا إلى واشنطن. 

 هذا الخلل العمراني بالمعنى الخلدوني، تجلى بشكل صارخ في أحداث سيدي بوزيد التي كانت تعتبر في العهد البورقيبي من أفقر مناطق تونس، والتي من المفترض أنه بعد 23 سنة تحول وتغيير، أن يكون الوضع قد تغير وتحول أي تطور وتقدم. إلا أن الحقيقة المرة، وباعتراف رسمي من قمة السلطة، أن الساحل قد نما على حساب الداخل، فأين هو هذا التحول والتغيير إذن إذا كانت دار لقمان على حالها على مدى أكثر من عقدين؟ ما رأي أصحاب تلك الحناجر القوية المرددة صباحا مساء تلك العبارة الشعاراتية "التحول المبارك"؟ كيف يمكنهم أن يفسروا هذا الواقع المزري الذي جثم على مناطق الداخل حتى انفجر نارا واستنكارا شعبيا؟ أين أنصار الحزب الحاكم في هذا الداخل التونسي الذين ما فتئوا يرددون أن تونس للجميع وأن "التجمع" حزب الجميع؟ ألا يكفي هذا دليلا على مساوئ استفراد حزب واحد بالسلطة محليا ووطنيا وإقصاء أحزاب تكون حقيقة معارضة وقادرة، بوسائل إعلامية حرة ومستقلة، على فضح ما يجب فضحه وليس أحزاب "اعتراضية" (كجملة قصيرة في فقرة طويلة) أحزاب مشاركة بالتهام فتات الكعكة الوطنية؟

 هذا الخلل "الخلدوني" كان جليا منذ فترة طويلة، وكمؤشر عليه يكفي ذكر ظاهرة "الحرقان" التي بدأت بالموت غرقا لكي تصل على يد بوعزيزي بالموت حرقا. 

 وقبل أن اختم هذه التدوينة الثانية المكتوبة استثنائيا بلغتي الأم (ذلك أن موقع هذه المدونة خصصته أساسا لمخاطبة الرأي العام الفرنسي والفرانكفوني، بحكم إقامتي الطويلة في فرنسا، لأكثر من ربع قرن) أعود إلى موضوع الإعلام، وكما سبق أن أشرت إليه في التدوينة الأولى، اعتبر أن مصداقية أي إعلام حتى وان كان رسميا (حكوميا) هي مرهونة بمدى مهنية هذا الإعلام، والعكس صحيح. هذا ما نلحظه في عمل الإعلام الحكومي الغربي مثلا والذي بصفته الحكومية (étatique)، أو العمومية (publique)، فهو لا يدين بالولاء للحكومة (gouvernement) وإنما فقط للدولة (l'État) بكل مؤسساتها الإدارية والاجتماعية والسياسية، الحاكمة منها والمعارضة، والمتناوبة على الحكم بالاقتراع العام.

 صحيح أنه بعد أكثر من نصف قرن استقلال ما زلنا للأسف في الصفحة الأولى من كتاب الديمقراطية بل قل في صفحة الغلاف الذي حولناها إلى إيقونة للتبرك والتباهي الساذج. لهذا لا غرابة في أن نرى ما يطلق عليه جزافا "وسائل إعلام" في تونس، هي عبارة عن أدوات ترفيه ودعاية وتعتيم. وإلا ما معنى أن يبحث التونسي المقيم في وطنه أو خارجه عن وسائل إعلام أخرى لكي يطلع على ما يجري في وطنه; ماذا يعني ارتفاع مستوى معيشة المواطن إذا ما بقي فقيرا إعلاميا يطرق أبواب الآخرين كالمتسول بحثا عما يروي غليله؟ وهنا أتذكر بمرارة قولة أحدهم لي ذات صباح تونسي، وهو يمسك بصحيفة: أية إعلام هذا ! إنه إعلام كِي الظْلاَمْ

محمد الرفرافي

20:25 Publié dans En arabe, Politis | Lien permanent | Commentaires (1) |  Facebook | |

Commentaires

ما أكثر النُّصب وما أبشع ما يرتكب باسمها !
مقال يجب أن يكون قلادة في عتق ابن خلدون

Écrit par : بلقيس الملحم | dimanche, 12 janvier 2014